"الحق في الماء وسؤال الحكامة: رؤى متشابكة" هو عنوان اليوم الدراسي الذي نظمته كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة يوم السبت 10 دجنبر 2022، تخليدا واحتفالا باليوم العالمي لحقوق الإنسان، وذلك بتعاون مع ماستر الديناميات الجديدة لحقوق الإنسان ومختبر الدراسات والأبحاث في حقوق الإنسان ومركز تمكين للدراسات والأبحاث في مجال حقوق الإنسان.
عرف اليوم الدراسي مشاركة علمية للعديد من المتدخلين والفاعلين المؤسساتيين كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان ووكالة الحوض المائي لملوية والوكالة المستقلة الجماعية لتوزيع الماء والكهرباء لمدينة وجدة ومركز الشرق لعلوم وتكنولوجيا الماء بجامعة محمد الأول، وكذا أساتذة وأكاديميون وخبراء حقوقيون بأجهزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان .
في الجلسة الافتتاحية أكد السيد "عبد القادر العذري" عميد كلية الحقوق بالنيابة على أهمية هذا اليوم الدراسي الذي يستجيب لانشغالات المجتمع باعتبار أن الحق في الماء أصبح من الرهانات الإستراتيجية على المستوى العالمي والوطني، مشيرا إلى ارتباط الماء باستقرار الدول والمجتمعات، وتوقف حياة وصحة الأفراد على الحصول على هذه المادة الحيوية.
الأستاذ "محمد الهاشمي"، مدير الدراسات والأبحاث بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان أشار في مداخلته إلى الحاجة للتفكير الاستشرافي والاستباقي لأزمة الماء بالمغرب قصد التعامل مع الأمر كمعطى بنيوي يفترض تغيير نمط العيش والانتقال من تدبير الوفرة إلى تدبير الندرة ضمانا لحقوق الأجيال المقبلة في العيش اللائق والكريم. وأوضح أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان بصدد وضع تصور مقاربة حقوقية لحكامة الماء تشخص مختلف الإشكاليات المرتبطة بالإجهاد المائي وتغير المناخ، وسيرفع خلاصاته للحكومة وللمؤسسات المعنية بالماء في هذا الشأن.
من جهته، أوضح الأستاذ "عبد الفتاح لؤي"، ممثل مختبر الدراسات والأبحاث في حقوق الإنسان، أن العديد من المؤشرات أصبحت تدق ناقوس الخطر حول الإجهاد المائي وتغير المناخ بالمغرب مما يتطلب تضافر الجهود للبحث عن أفضل السبل لترشيد الموارد المائية. ونوه الأستاذ يوسف سالم رئيس مركز تمكين للدراسات والأبحاث في حقوق الإنسان بالاختيار الموفق لموضوع اليوم الدراسي وقام بالتعريف بمركز تمكين وأهدافه وبالبرامج التي يشتغل عليها. في مداخلته، ركز الأستاذ "محمد سعدي" المنسق البيداغوجي لماستر الديناميات الجديدة لحقوق الإنسان على أهمية طرح الحق في الماء للنقاش العمومي بالمغرب للتفكير في سبل تغيير نمط الاستهلاك والعيش من أجل تدبير عقلاني لندرة الماء، مع استحضار بعد أخلاقية المسؤولية والواجبات مقابل الحقوق، مستحضرا فكرة الفيلسوف ميشيل سير عندما أكد أنه في المستقبل القريب سيكون على المجتمعات تغيير البراديغم من “العقد الاجتماعي” إلى “العقد الطبيعي”، حيث يتم الانتقال من اعتبار الموارد الطبيعية والمائية موضوع استغلال وامتلاك لاعتبارها أشخاص قانونية اعتبارية محمية لها حقوقها في مواجهة جشع الإنسان واستغلاله الجامح وغير المسؤول للثروات المائية؛ وذكر في هذا المجال بسابقة قضائية عام 2017 تتعلق بنهر “الغانغ” المقدس بالهند الذي منحت له إحدى المحاكم العليا صفة شخص قانوني معنوي له كافة الحقوق في مواجهة من يتسبب في إلحاق أي ضرر به.
عرف اليوم الدراسي عدة مداخلات أكاديمية هامة حيث تناول الأستاذ محمد العمرتي :خبير لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية “الحق في الماء من منظور المعايير الدولية لحقوق الإنسان”؛ وتمحورت مداخلة السيد فوزي غروس، أستاذ القانون الخاص بكلية الحقوق بوجدة حول "مصادر قانون الماء بالمغرب"، أما السيد محمد الطيبي أستاذ بمعهد العالي للمهن التمريضية وتقنيات الصحة فناقش موضوع "الحق في الماء: أي أثر على الحق في الصحة؟"؛ ومن جهته ناقش السيد "رشيد شريت" الباحث في التاريخ الاجتماعي موضوع الماء من مقاربة سوسيولوجية باعتباره فاعلا في التحولات السوسيو-ثقافية للمجتمع المغربي .
كان اليوم الدراسي مناسبة للتعريف بالعمل الذي تقوم به مجموعة من المؤسسات المعنية من خلال مداخلات الأستاذة "بشرى كروج" منسقة مركز الشرق للعلوم وتكنولوجيات الماء والأستاذ "خافوري عز الدين" رئيس مصلحة جودة المياه بوكالة الحوض المائي لملوية، والأستاذ "عصام شملال" رئيس مصلحة الجودة والسلامة والبيئة بالوكالة المستقلة الجماعية لتوزيع الماء والكهرباء لمدينة وجدة. وعرف اليوم الدراسي جلسة نقاشية ختامية خاصة بطالبات وطلبة ماستر الديناميات الجديدة لحقوق الإنسان حيث تناولوا الإطار القانوني والمؤسساتي للحق في الماء بالمغرب وفعالية الحكامة المائية والسياسات العمومية المائية بالمغرب، والحق في الماء في القانون الدولي لحقوق الإنسان.
وفي ختام جلسات اليوم الدراسي، تم تقديم مجموعة من التوصيات، أهمها:
– تنظيم مناظرة وطنية حول الماء بمخرجات عملية ملموسة يشارك في تطبيقها مختلف المعنيين وينخرط فيها كل الفاعلين في المجال؛
– وضع مخطط وطني مائي جديد يكون مرجعا أساسيا للسياسة المائية الوطنية ويستجيب للتحديات الجديدة المطروحة على مستوى إشكالية الحكامة في تدبير الموارد المائية؛
– تفعيل دور المجلس الأعلى للماء والمناخ ومراجعة إطاره القانوني وتحديد أولويات عمله؛
– إصدار تقرير سنوي شامل لمختلف المعطيات التي تشخص بشكل دقيق وضعيات الماء والتغير المناخي بالمغرب؛
– إدماج الحفاظ على الماء وقضايا التغير المناخي في البرامج التربوية بالمدارس وضمن التربية الوطنية والمدنية؛
– إنشاء متحف الماء لإبراز التراث المائي للمغاربة في مختلف أوجهه التاريخية، الثقافية، السوسيولوجية، …
وتجدر الإشارة إلى أنه فضلا عن اليوم الدراسي، ستعرض بكلية الحقوق خلال شهر دجنبر ويناير أفلام لتعريف الطلبة والطالبات بقضايا التغير المناخي والإجهاد المائي وتحسيسهم بأهمية الماء وضرورة الحفاظ عليه، وذلك في إطار المهرجان الجامعي “السينما وحقوق الإنسان” في دورته الأولى، تحت شعار “الماء من أجل الحياة” .